يإشراف المعلم : توفيق نصر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
يإشراف المعلم : توفيق نصر

تصميم : محمد نعيم نقاوة


    خليل مطران

    محمد نقاوة
    محمد نقاوة
    Admin


    المساهمات : 53
    تاريخ التسجيل : 18/04/2010
    العمر : 28

    خليل مطران Empty خليل مطران

    مُساهمة  محمد نقاوة الإثنين أبريل 19, 2010 1:31 am

    خليل مطران شاعر متفتح الذهن على الحركة التجددية في الشعر, وقد اجترأ على متابعتها يوم كان شعراء عصره يهابونها ولا يهتمون بها, وعبّر عن موقفه هذا بقوله: “إني أجرأ من حافظ ابراهيم وأحمد شوقي على التجديد, ولكني مع ذلك لم أجدد شيئاً عظيماً. الواقع أن اسلوبنا قديم يدخله شيء قليل من المصطلحات والأفكار الجديدة, وليس قصدي من التجديد أن نقنع بقليل من الألفاظ والعبارات, إنما أقصد بالتجديد أن يخلق الشاعر موضوعاً من أوله الى آخره, ويصوغه ويصوره, ويفصّله على النحو الذي وجدنا كل شعراء العرب العبقريين قد نحوه في مولدات قرائحهم.. التجديد يحتاج الى الخلق والإبداع وتكوين الموضوع...”.

    مدرسة التجديد

    كان مطران بين شعراء عصره صاحب مدرسة التجديد في الأدب العربي, وقد حاول ونجح في محاولته, فنقل الشعر العربي من أغراضه التقليدية البدوية وتصوراته القبلية الى أغراض جديدة, تنسجم مع متطلبات العصر واتجاهاته المدنية الحديثة.
    ولقد تشعّبت الآراء في البحث عن مقومات شعره, فسمّاه البعض شاعراً إبداعياً رومنطيقياً, وسمّاه آخرون شاعر العصر, فضلاً عن ألقاب لا تفيد المذهب أو المنهج مثل “شاعر القطرين”, ومع ذلك فإن الإجماع يكاد ينعقد على أن مطران يعتبر رائداً للمدرسة الجديدة في الشعر العربي المعاصر.
    والجدير بالذكر أن خليل مطران يجمع بين الروح الحديثة في الشعر والمحافظة على الأصول القديمة في اللغة والتعبير. أراد التجديد بمعناه البعيد, معتبراً التفكير منبع الإبتكار.
    ويرى الدكتور محمد مندور أنه الى جوار المعسكرين اللذين كانا يقتتلان حول الشعر في مستهل القرن ­ وهما معسكر الشعر التقليدي ومعسكر الديوان ­ كان هناك عملاق لم يهاجمه أصحاب الديوان لأنه من دعاة الشعر التقليدي, ولكنهم مع ذلك لم يحضنوه ولا اعترفوا باستاذيته وتجديده وتطعيمه الشعر العربي بأصول واتجاهات الشعر الغربي, وخروجه بالشعر من الذاتية الى الموضوعية, وتطويع قوالبه وأوزانه للشعر القصصي والتصوير الدرامي. وهذا العملاق هو خليل مطران.
    أراد مطران التجديد في الشعر وبذل فيه ما بذل من جهد عن عقيدة راسخة في نفسه, وهي أنه في الشعر, كما في النثر, شرط لبقاء اللغة حية نامية. على أنه اضطر لمراعاة الأحوال التي حفت بها نشأته فحرص على ألا يفاجئ الناس بكل ما يجيش في خاطره, وخصوصاً ألا يفاجئهم بالصورة التي كان يفضلها للتعبير لو كان طليقاً, فجارى العتيق في الصورة بقدر ما وسعه جهده وتضلّعه في الأصول واطلاعه على مختلف الفصحاء. وتحرر منه, وهو في الظاهر يتابعه بنوع خاص من الوصف والتصوير ومتابعة الفرص. يريد أن يكون شعرنا مرآة صادقة لعصرنا في مختلف أنواع رقيّه. يريد, كما تغيّر كل شيء في الدنيا, أن يتغيّر شعرنا, مع بقائه شرقياً, وعربياً, وهذا ليس بإعجاز.

    وفي هذا المجال يقول شعراً:
    خواطر وضّاءة بها ملامح السهر
    ألبستها من أدمعي ومن دمي هذي الحبر
    قشيبة غربية عصرية نسج مُضَر

    مذهبه الشعري

    جاء مطران بمذهب الحرية الفنية التي تحترم شخصية الفنان واستقلال الفن عن الصناعة والبهارج والأناقة الزخرفية, التي لا يحتّمها الجمال المطبوع وأصالة الفن. وقد دعم شاعرنا وحدة القصيدة وشخصية الفنان وعزّز رسالته كما تدعم الديموقراطية حقـوق الإنسـان, و”فـتح باب الحـياة على مصراعيه كما أفسح له آفـاق الخيال, وأبرز له كل شيء في هذا الوجود, صغيراً كان أم كبـيراً, كموضـوع شعري خليق بعنايتـه, وأهل للـتناول الفني إذا ما استطاع الشاعر أن يتجاوب معه, وحبّب إليه الموضـوعات الإنسانية بدل الاقتصار على العواطف الذاتية فحـسب, وأقنع شعراء مدرسته بأن على كل منهم رسالة مثالية لا بد له من أدائها, وليست وظيفة الشاعر أن يكون نظاماً لغوياً أو بين المرتلين الإنتـهازيين, بل عليـه أن يـكون بـين زعماء الفكر ورسل الوجدان”.
    وكـان مطـران محـباً للحرية مجاهراً بذلك, ثائراً على الاستعمار التركي الظالم؛ ومما يرويه الناقد نجيب جمال الدين, أن شاعرنا اللبناني بعد تخرجه من المدرسة البطريركية, بدأ ينظم الشعر ضد السلطنة العثمانية والاستبداد الحميدي. وروى مطران لصديقه الأديب عمر فاخوري, أنه كثيراً ما كان يصحب بعض الرفاق الى أعالي الأشرفية في بيروت وينشدون نشيد “المارسييز” الذي كان رمزاً للحرية وعنوان النضال, وطريقة من طرائق تحدي الإستعمار في تلك الأيام السوداء. وظل حب الحرية سارياً في دمه, كما ظل كره الاستبداد شديداً في نفسه, فكان همه نشر هذا الحب وهذا الكره في النفوس, لا كشاعر سياسي ذي أغراض سياسية, بل كشاعر إنساني غايته أن يوجّه مواطنيه نحو الحياة المثلى, وقد أعرب عن خنوع أمته, وعدم انتفاضتها بوجه المعتدين, حيث يقول:

    إني مُنيت بأمة مخمورة من ذلّها ولها القناعة مشرب
    لا الظلم يغضبهم ولو أودى بهم أتعزّ شأناً أمة لا تغضب؟



    رومانسيته

    أخذ مطران بالرومانسية التي أعجب بها من قراءاته للشعراء الفرنسيين أمثال: لامارتين وألفرد دو موسيه. وهناك ظاهرة يجب أن نلتفت إليها وهي أن مطران الذي سافر الى فرنسا, كان قد درس الفرنسية واتقنها قبل سرفه.
    ولما كانـت العاطفـة تتجمع أشد ما تتجمع في الحب, أخذ الشعراء الرومانسيون يقدسونه, فالله محبة, والحب هو الذي يربط العوالم بعضها ببعض, وكل ما في الطبيعة يحب, حتى الجماد يحب, ومن هنا إصطبغت الرومانسية بالصبغة الصوفية, وأصبح الحب الرومانسي حباً مثالياً غير مدنّس بشهوة جسدية عابرة.
    هذه هي رومانسية مطران التي تجعله يسمو بالحب من قضية شخصية عاطفية قائمة بين شخصين, الى الكون الشامل, الى عالم الطبيعة, وإذا بالحب يسمو ويرتفع حتى يشمل الله الذي هو بدوره محبة.
    ومن شعره الرومانسي:

    لم أنس حين التقينا والروض زاه نضير
    اذ العيون نيام والليل راء حسير
    تشكو الغرام دعابا ورب شاك شكور
    وفي الهواء حنين من الهوى وزفير
    وللمياه أنين تذوب منه الصخور
    وللنسيم حديث على المروج يدور
    وللأزهر فكر يرويه عنها العبير

    أحب مطران الرومانسي الجمال وجعله غاية, ووجد الشر في العالم والفساد في المجتمع, لهذا نقم على هذا العالم وثار على المجتمع فعاش في يأس وألم.
    في رجوعه الى الطبيعة كان مطران متأثراً بدعوة الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الى العودة الى الطبيعة, وبفكرة حلول الله في الطبيعة التي قال بها سبينوزا.
    والواقـع أن طبيعة مطران الشعرية تستند الى الخيال أكثر من استنادها الى الإحساس المباشر, فالخيال هو الذي يثير عاطفته في قصائده القصصية, حيث نراه يتصوّر المواقف والأحداث ثم ينفعل بما يتصوّر, ولكنه لا يترك لخياله ولا لعاطفته العنان, بل يخضعهما لعقله وتفكيره.

    الشعر القصصي

    كتـب شاعر القطرين الشعر القصصي في منحيين: تاريخي واجتماعي. فالأول أخذ مادته من التاريخ على غرار شكسبير, إما باستغلال القصة التاريخية, وإما بتناولها بخياله مع شيء من التحوير. والثاني أخذ مادته من صميم الحياة الاجتماعية والبيئة التي يعيش فيها. وفي هذا الشعر تفوّق على كل من تقدمه من شعراء العرب, ولو قرأنا نتاجه كلّه لوجدنا ذلك النوع غالباً على معظم شعره.
    الحركة الإبداعية التي قام بها مطران لم تكن في جميع نواحيها تجديداً وخروجاً على القديم وثورة عليه, إنما كانت في بعض النواحي, تتصل بالأغراض العامة للشعر من دون المبنى, مثال ذلك, قيام حركته الإبداعية على أساس إدخال الشعر القصصي والتصويري للأدب العربي, فهذان الضربان يخلو منهما في الأصل الشعر العربي القديم, كما يخلو منهما الشعر الإتباعي الحديث, باستثناء شعر شاعر الأرز شبلي الملاط.
    وقصص مطران الشعرية هي صور من الحياة البشرية بعضها واقعي ومحتمل الوقوع يلوّنها خياله الخلاّق, وهو في هذا الشعر يراعي القصة من عرض وعقدة وحل, ويتقيد بها في أكثر الأحيان. كما أنه في هذا الشعر يؤمن بالفضيلة ويدعو إليها وينزع نحو التعليم والتهذيب.

    مطران والقضايا الاجتماعية

    لقد تميّز مطران عن زميليه حافظ ابراهيم وأحمد شوقي في مضمار الإجتماعيات, فقصائده الإجتماعية أوفر عدداً ومواضيعه العمومية أوسع آفاقاً, وقد سلك سبيلاً فيه, حمل بعض مريديه على تلقيبه برائد الشعر الحديث. كما أنه تقدمهما وفاقهما في محاربة الفساد الإجتماعي والخلقي والمظالم المرهقة للناس, فكان له في ذلك عدد من القصائد الرامية الى أهداف خلقية واجتماعية.
    ومع تمثيل شاعرنا لعصره أجمل تمثيل, فقد سما على دنياه, وبزّ معاصريه من الأدباء في ثبات خلقه وكرم نفسه وتفانيه في خير الناس. “رجل دنيا يشاطر الناس أفراحهم وأتراحهم ويعطف على بائسيهم وفقرائهم, وينقم من حكامهم الظالمين المتغطرسين, وينادي بالشورى وحكم الدستور, ولم يحمل على طبقة من الطبقات, بل أحب كل طبقة.. إنه الشاعر الوحيد الذي عاش بدون أعداء”.
    ولهذا ثار على الأوضاع السياسية وعلى الظلم, وثورته هذه لا تقل عن ثورته على الأوضاع الإجتماعية من جهل وفقر ومرض. وهذه الثورة التي يعكسها شعره تنقسم الى نوعين: نوع يقع تحت القصصي التاريخي, يلجأ إليه ويفرغ فيه نقمته على الظلم من دون أن يعرّض بأحد من الحكام. ونوع هو قصائد ثائرة متحررة صريحة يقولها من دون خوف أو وجل. وهو رأى أن الشعر كان عاملاً قوياً في نهضة الدول.
    وقد أشار الدكتور ميشال جحا, الى أن شوقي وحافظ ومطران, يمثلون الثالوث الشعري المعاصر الذي يذكرنا بالثالوث الأموي: الأخطل وجرير والفرزدق الذي سبقه بأكثر من إثني عشر قرناً من الزمن. كما عاش هؤلاء الشعراء في فترة زمنيـة متقاربة, وفي كثـير من الأحيـان نظمـوا الشعر في مناسبـات واحدة. إنما خلـيل مطران يبقى رائـد الشعر الحديث.

    cheers

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 8:28 pm